العرض في الرئيسةتحليلات

ايران تمد “غصن الزيتون” للسعودية ودول الخليج .. فلماذا الرفض والازدراء؟

يمنات – رأي اليوم

ان تسعى ايران لفتح حوار مع المملكة العربية السعودية وتلجأ الى دولة الكويت لنقل رغبتها في هذا الاطار “امر جيد”، وينطوي على لفتة حضارية تعتمد الحوار لتسوية المشاكل العالقة، وان ترفض المملكة “غصن الزيتون” الايراني هذا، وتتجنب الرد عليه، امر “غير مفهوم” ويبعث على خيبة الامل، خاصة في صفوف اولئك الذين يريدون استقرارا وحقنا للدماء ووقفا للحروب في المنطقة العربية، وهذه الصحيفة “راي اليوم” من بينهم.

المسؤولون السعوديون الذين يتصدرون خطوط المواجهة السياسية والعسكرية ضد ايران، ويخوضون حروبا بالوكالة ضدها في سورية واليمن والعراق، يقولون، وحسب ما ذكرت صحيفة “عكاظ” شبه الرسمية، ان الاعتداء على السفارة السعودية في طهران ليس هو المشكلة، وانما التدخل الايراني في اليمن وسورية والعراق والبحرين ولبنان، بل وفي الكويت نفسها، التي نقلت حكومتها الرغبة الايرانية في الحوار الى السعودية.

صحيفة “الراي” الكويتية كشفت ان خيوط القصة بدأت عندما اوفدت ايران السيد محمود علوي رئيس جهاز استخباراتها الى الكويت حاملا رسالة خطية من الرئيس الايراني حسن روحاني، تتعلق بالعلاقات الثنائية مع الكويت، ورغبة القيادة الايرانية فتح صفحة جديدة مع دول الخليج على ارضية حل المشاكل العالقة بالحوار الهاديء، وقالت الصحيفة ان وزير الداخلية الكويتي الشيخ محمد الخالد نقل هذه الرغبة الايرانية الى قادة خمس دول خليجية.

المطالب السعودية لايران بوقف تدخلها في الشؤون العربية مشروعة، ولكن جرت العادة ان تقبل الدول المتخاصمة بمبدأ الحوار اولا، والانتقال الى مائدة المفاوضات ثانيا، وهناك يطرح كل طرف موقفه واعتراضاته حول القضايا الخلافية الواحدة تلو الاخرى للوصول الى اتفاق جزئي او كلي حولها جميعا.

السلطات السعودية تبنت المبدأ نفسه في صراعها مع الاطراف اليمنية المختلفة معها، وتخوض حربا ضدها، ونقصد بذلك مفاوضاتها مع حركة انصار الله الحوثية التي قللت بالهدنة، وبعد ان كانت تعتقد انها تستطيع هزيمة هذه الحركة المتحالفة مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح في غضون اسابيع معدودة، بسبب الفارق الكبير في موازين القوى العسكرية بين الجانبين على الارض، واطلقت طائراتها الحربية الامريكية الحديثة طوال 12 شهرا لقصف هؤلاء الاعداء، وكل شيء يتحرك في اليمن، وقتلت عشرة آلاف مدني، وفرضت حصارا تجويعيا قاتلا، وعندما لم يستسلم هؤلاء، ويرفعوا الرايات البيضاء، وردوا على القصف السعودي باشعال حرب الحدود، واطلاق صواريخ باليستية، رحبت السلطات السعودية بما وصفته “وساطة” بعض قادة القبائل اليمنية، وفتحت حوارا مع الحوثيين في مدينتي ابها والعاصمة الرياض.

من يتفاوض مع الحوثيين الذين كانوا بالامس رافضة ومجوس وعملاء لايران، من الاجدى والاكرم له ان يتفاوض مع سادتهم “المفترضين” في طهران، ومن يقبل بوساطة “مشايخ” يمنيين، لماذا يرفض وساطة دولة شقيقة مثل الكويت لفتح حوار مع الايرانيين، يقود الى سلام يحقن الدماء، ويضع حدا للحروب، الباردة منها والساخنة؟

امريكا الدولة الاعظم عسكريا، والاقوى اقتصاديا في التاريخ تفاوضت مع ايران، ومعها خمس دول عظمى اخرى، وتوصلت في نهاية المطاف الى اتفاق حول برامجها النووية، تجنبا لحرب مدمرة وغير مضمونة النتائج، فلماذا لا تفعل السعودية ودول الخليج الاخرى الشيء نفسه؟ فهي ليست اقوى من امريكا العظمى في جميع الاحوال، الا اذا كانت هذه الدول تعتقد غير ذلك.

لاحظنا من خلال تتبعنا لخيوط هذه الوساطة ان هناك نقطة على درجة كبيرة من الاهمية طرحها المسؤولون الكويتيون على ضيفهم الايراني الزائر السيد علوي، جديرة بالاهتمام، وهي قولهم “ان اولى اجراءات بناء الثقة توقف ايران عن ممارسة دور “الوصاية” على ابناء الطائفة الشيعية في دول الخليج والدول العربية الاخرى”، وتأكيد هؤلاء المسؤولين الكويتيين “ان الشيعي اللبناني لبناني عربي، والشيعي السعودي سعودي عربي، والشيعي الكويتي كويتي عربي، ولذلك فان انتهاج مبدأ الوصاية في اي جزء من اجزاء الوطن العربي، تجاوز وارباك لمبدأ المواطنة، ناهيك عما يحمله ذلك من مقومات تحريض وخلاف مع المكونات الاخرى”.

كلام المسؤولين الكويتيين جميل ومنطقي، ومطالبهم مشروعة وعادلة تحتم علينا كعرب تأييدها، ولكن نطرح سؤالا على درجة عالية من الاهمية وهو، هل الحكومات الخليجية، والسعودية منها بالذات، تعتبر الشيعي عربيا، يتمتع بالمواطنة الكاملة على قدم المساواة مع شقيقه “السني”، ويتمتع بالحقوق والواجبات نفسها، ويحظى بالثقة المطلقة، بحيث يرتقي السلم الوظيفي في الوظائف العليا في الدولة والاجهزة الامنية والمؤسسات العسكرية على وجه الخصوص؟

نسأل مرة اخرى سؤالا اضافيا ومكملا للسؤال الاول، وهو هل يحظى الشيعة العرب، وفي منطقة الخليج خاصة بالتمثيل في الوزارات بما يعكس حجمهم السكاني مثلا؟

عندما يتم تجاوز كل ممارسات التمييز الطائفي والعرقي، والتعاطي مع كل المواطنين على قدم المساواة، فان الوصاية الايرانية ستسقط، بل ستقاوم بشدة من قبل الاشقاء الشيعة، ودليلنا على ذلك ان شيعة البحرين اختاروا ان يكونوا عربا، وليس ايرانيين في الاستفتاء الذي اجرته بريطانيا في صفوفهم قبل منح البحرين الاستقلال، ولكن ذاكرة البعض قصيرة جدا.

نعم.. العرب لا يملكون ثورة يصدرونها الى ايران، مثلما فعلت وتفعل ايران، حسب اتهاماتنا، او بعضنا لها، ولكننا صدرنا الهداية الى الايرانيين، وادخلناهم الاسلام، والآن نتهمهم بأنهم رافضة، ومجوس، وابناء المتعة في الصحف والقنوات الخليجية الخاصة.

عندما يرتقي مستوى خطابنا كعرب.. ونقدم النموذج الاسلامي الراقي في الخصومة وآدابها.. ونتعفف عن القذف في حق الآخرين ومذاهبهم، والترفع عن الاحقاد الطائفية، حتى لو كان هؤلاء الآخرون عكس ذلك، تيمنا باخلاق وقيم وسنّة رسولنا العظيم صلى الله عليه وسلم، فحينها من حقنا ان نعاتب الآخرين او حتى نقرعهم، بل ونحاربهم.

الشيعة العرب خاضوا كل حروب الامة الى جانب اشقائهم السنة، دون ان نعرف في جيوشنا من هو شيعي، ومن هو سني، وحاربوا ايران ايضا، وانتصروا على اسرائيل، كل هذا عندما كنا عربا ومسلمين بعيدا عن كل التقسيمات الطائفية، ونكتفي بهذا القدر.

افتتاحية رأي اليوم

زر الذهاب إلى الأعلى